شرح نظرية داو

فريق موقع تدقيق
تم التحديث: 2025-06-29

تعد نظرية داو حجر الزاوية في عالم التحليل الفني للأسواق المالية، وهي النظرية التي وضعها الصحفي الأمريكي تشارلز داو. لم تقتصر أهمية هذه النظرية على كونها الأساس الذي بنيت عليه مدارس تعليم التداول لاحقًا فحسب، بل إنها ما زالت تُستخدم كمؤشر رئيسي لفهم اتجاهات السوق. سيقدّم هذا المقال شرحًا دقيقًا لنظرية داو ومبادئها الرئيسية، بالإضافة إلى آلية تطبيقها العملي في مجال التحليل الفني.

من هو تشارلز داو مؤسس نظرية داو؟

تشارلز هنري داو Charles Henry Dow هو صحفي واقتصادي أمريكي رائد، ولد في 6 نوفمبر 1851، وتوفي في 4 ديسمبر 1902. يعتبر داو أبو التحليل الفني ويعود له الفضل في وضع نظرية داو الشهيرة، كذلك تأسيس مؤشر داو جونز الصناعي في عام 1889، أحد أهم مؤشرات البورصة الأمريكية.

بالإضافة إلى كونه أحد مؤسسي ورئيس تحرير صحيفة وول ستريت جورنال. وعلى الرغم من وفاته قبل أن يقوم بصياغة نظرية داو بشكلٍ رسمي، إلا أن كتاباته وافتتاحياته في الصحيفة شكلت الأساس الذي بُنيت عليه هذه النظرية لاحقًا. وقد تابع العديد من تلامذته أمثال روبرت ريا Robert Rhea مساره المهني الرائد عبر تطوير وتنقيح هذه النظرية بعد وفاته، مستندين إلى أعماله الأصلية.

شرح فكرة نظرية داو

ترتكز نظرية داو على فكرة أساسية مفادها أن السوق يتحرك في اتجاهات (ترندات)، وأن فهم هذه الاتجاهات وتحليلها بدقة هو المفتاح لاتخاذ قرارات تداول صائبة.

تؤمن النظرية بأن كل ما يحتاج المستثمر لمعرفته حول السوق ينعكس في حركة الأسعار ذاتها، حيث لا يمكن التلاعب بالسوق على المدى الطويل.

وبالتالي، فإن القدرة على تحديد الاتجاهات الرئيسية للسوق، سواء كانت صعودية أو هبوطية أو جانبية، تعمل كبوصلة أساسية للمتداولين، مما يمكنهم من التنبؤ بحركة السوق المستقبلية واتخاذ الخطوات الصحيحة لتحقيق الأرباح وتجنب الخسائر في الأوساط المالية المعقدة.

المبادئ الأساسية لنظرية داو Dow

أرست نظرية داو ستة مبادئ أساسية تشكل الإطار العام لفهم وتحليل حركة الأسواق المالية. وتعد هذه المبادئ بمثابة الركائز التي يعتمد عليها التحليل الفني لتحديد الاتجاهات وتقدير سلوك السوق والتي سنوضحها تباعًا:

السوق يعكس كل شيء. هذا يعني أن جميع المعلومات المتاحة عبر النشرات الإخبارية، سواء كانت اقتصادية، سياسية، أو غيرها، يتم تضمينها بالفعل في سعر الأصول المالية. فعندما تنظر إلى الرسم البياني للسعر، فإنك في الواقع ترى ملخصًا لكل هذه الأحداث والتفاصيل التي أثرت على الأصل عبر الزمن، حتى تلك التي حدثت منذ سنوات.

لتوضيح هذا المبدأ، يمكننا النظر إلى عملة البيتكوين كمثال وما جرى لها في عام 2021. عندما قام إيلون ماسك بشراء ما يعادل 1.5 مليار دولار من البيتكوين، وتحدث عنها بإيجابية كبيرة كعملة ذات مستقبل واعد، إذ شهدت العملة بالفعل ارتفاعًا هائلاً.

فمن مستويات 20000 دولار تقريبًا، قفز سعرها ليقارب 63,000 دولار. هذا الارتفاع السريع، الذي نلاحظه بوضوح على الرسم البياني في أواخر عام 2020 وبداية عام 2021، لم يكن مجرد صدفة؛ بل كان انعكاسًا مباشرًا للاستثمار الكبير والحديث الإيجابي من شخصية مؤثرة مثل ماسك، مما أدى إلى إقبال كبير من المتداولين.

توضح نظرية داو أن حركة الأسواق المالية تجري عبر ثلاثة أنواع رئيسية من الاتجاهات. كما أن فهم هذه المستويات الثلاثة من الاتجاهات ضروري لتحليل حركة السوق بدقة.

تضم حركة الأسواق الاتجاه الرئيسي طويل الأجل الذي يمكن أن نراه على الرسم البياني طويل المدى، ويحدد ما إذا كان سعر الأصل المالي، كالذهب مثلًا، يتجه صعوداً أو هبوطاً على المدى الطويل.

يلي ذلك الاتجاهات الثانوية، وهي تذبذبات أو تصحيحات تحدث ضمن الاتجاه الرئيسي، ويمكن أن تستمر لأسابيع أو شهور. فإذا كان الاتجاه العام صاعدًا، فقد تشهد الأسعار انخفاضات مؤقتة تعتبر تصحيحات.

وأخيراً، هناك الاتجاهات الصغيرة، التي تمثل الحركات اليومية أو الأسبوعية قصيرة الأجل والتي يصفها البعض بضوضاء السوق، والتي يمكن أن تظهر صعودًا وهبوطًا داخل الاتجاهات الثانوية.

توضح نظرية داو أن اتجاه السوق يتطور عبر ثلاث مراحل متتالية وهي:

  • مرحلة التجميع: في هذه المرحلة، يقوم كبار المستثمرين بالشراء تدريجيًا في الأصل المالي، دون أن يلاحظ عامة السوق هذا التجميع.
  • مرحلة المشاركة: هنا ينتبه الجمهور الأوسع لحركة السعر ويبدأون بالمشاركة في الشراء، مدفوعين بالاهتمام المتزايد.
  • مرحلة التصريف: في هذه المرحلة النهائية، يبدأ كبار المستثمرين بالبيع وجني الأرباح، مما يؤدي في النهاية إلى انعكاس الاتجاه.

لفهم هذه المراحل بشكل أوضح، يمكننا النظر إلى مثال عملة البيتكوين. ففي أبريل 2020، كان سعر البيتكوين حوالي 9000 دولار، ثم ارتفع إلى 19000 دولار. بعد ذلك، بدأت مرحلة التجميع الفعلية عندما اشترى إيلون ماسك 1.5 مليار دولار من البيتكوين، مما دفع السعر إلى 40000 دولار.

وعندما أعلن ماسك عن استثماره هذا، دخلنا في مرحلة المشاركة، حيث زاد اهتمام الناس وثقتهم بالعملة، وبدأوا بالشراء بنشاط. استمر السعر في الارتفاع ليصل إلى 64000 دولار في أبريل 2021.

ولكن بعد هذا الارتفاع، بدأ السعر في الانخفاض، مما يشير إلى دخول مرحلة التصريف، حيث بدأت رؤوس الأموال الكبيرة بالخروج من السوق لجني الأرباح. وهذا في حالة الترند أو الاتجاه الصاعد. وذات الأمر بالنسبة للترند الهابط، حيث تتم عمليات التصريف الأول والمشاركة العامة من كافة المتداولين في البيع وتنتهي بالمرحلة الأخيرة "التجميع" للتمهيد لصعود مقبل من جديد.

المبدأ الرابع من مبادئ نظرية داو يؤكد على ضرورة تأكيد المؤشرات للاتجاه. ببساطة، لا يكفي أن يشير مؤشر واحد إلى صعود أو هبوط السوق؛ بل يجب أن يتأكد الاتجاه من خلال مؤشرين على الأقل.

تجدر الإشارة إلى أن تشارلز داو لم يكن يتحدث عن المؤشرات الفنية الحديثة كمؤشر القوة النسبية RSI أو MACD، بل كان يشير إلى المؤشرات السوقية أو الاقتصادية الرئيسية.

كمثال على ذلك، كان تشارلز داو يركز على المؤشر الصناعي داو جونز الذي يقيس أداء كبرى الشركات الصناعية الأمريكية، ومؤشر النقل الذي يعكس أداء شركات الشحن والنقل في الولايات المتحدة. المنطق هنا يكمن في أنه إذا كان الاقتصاد في حالة انتعاش، تزدهر الشركات الصناعية وتحقق الأرباح، ومن الطبيعي أن تستفيد شركات النقل أيضاً، لأنها مسؤولة عن نقل المواد الخام والمنتجات النهائية.

لذلك، يجب أن يتحرك كلا المؤشرين في نفس الاتجاه؛ فإذا كان المؤشر الصناعي صاعدًا، يجب أن يكون مؤشر النقل صاعدًا كذلك لتأكيد صحة الاتجاه الصعودي للاقتصاد والسوق.

أما إذا حدث تباين غير منطقي، كأن يرتفع المؤشر الصناعي محققًا قممًا أعلى، بينما يتجه مؤشر النقل نحو الهبوط مسجلاً قيعانًا أدنى، فهذا يعتبر إشارة تحذيرية قوية. في هذه الحالة، يمكننا القول بثقة إن هذا التباين لا يمثل بداية اتجاه جديد حقيقي ومستدام في السوق، ويستدعي الحذر من قبل المستثمرين.

هذا المبدأ في نظرية داو يؤكد على أن قوة الاتجاه السوقي تُقاس بحجم الصفقات المنفذة، أو ما يُعرف بـ الفوليوم. فإذا كان السوق في اتجاه صاعد ويزداد حجم التداول بالتزامن مع هذا الصعود، فهذا يعني وجود اهتمام وشراء قوي من المستثمرين، مما يؤكد قوة الاتجاه وإمكانية استمراره.

على العكس، إذا كان السوق يصعد بحجم تداول ضعيف أو ثابت، فقد يشير ذلك إلى صعود مؤقت أو ضعيف يفتقر للدعم الكافي، مما يجعله عرضة للهبوط المفاجئ. من المهم ملاحظة أن هذا المبدأ ينطبق بشكل خاص على الأسواق المركزية التي توفر بيانات دقيقة لحجم التداول، مثل أسواق الأسهم.

أما في سوق الفوركس غير المركزي، حيث لا توجد جهة واحدة توفر بيانات حجم تداول شاملة ودقيقة. فضلًا عن ذلك يمكن للمتداولين الاعتماد على مؤشرات الزخم، مثل مؤشر القوة النسبية RSI، لفهم قوة الاتجاه.

يُعد مبدأ الاتجاه يستمر حتى يظهر دليل على تغييره من الركائز الأساسية في نظرية داو. هذا المبدأ يحذر المتداولين من التسرع في استنتاج تغير الاتجاه لمجرد حدوث تصحيح بسيط في الأسعار. بدلًا من ذلك، يجب الانتظار حتى تظهر دلائل واضحة ومؤكدة على انعكاس الاتجاه الفعلي.

يتم ذلك بشكل رئيسي من خلال مراقبة القمم والقيعان. ففي السوق الصاعد، من الطبيعي أن تتشكل قيعان أعلى من قيعان سابقة وقمم أعلى من قمم سابقة. إذا حدث تصحيح ضمن هذا الاتجاه الصاعد، فلا ينبغي الجزم بتغير الاتجاه إلا عندما يبدأ السوق في تشكيل قيعان أقل من قيعان سابقة وقمم أقل من قمم سابقة، مما يؤكد فعلًا انعكاس الاتجاه وبدء الاتجاه الهابط.

كيف يتم تغيير الاتجاه من صاعد إلى هابط في نظرية داو؟

وفقًا لنظرية داو، يتغير الاتجاه من صاعد إلى هابط عندما يبدأ السوق في تشكيل قمم أدنى وقيعان أدنى بشكل متتالٍ. بينما الاتجاه الصاعد يتميز بقيعان أعلى وقمم أعلى.

 إن كسر هذا النمط وظهور قمة جديدة أدنى من سابقتها، يليها قاع جديد أدنى من القاع السابق، يُعد دليلًا واضحًا على انعكاس الاتجاه الصعودي وبدء الاتجاه الهابط. هذه الإشارات تُعد تأكيدًا حقيقيًا لتغير المسار، وليس مجرد تصحيح مؤقت.

الأسئلة الشائعة

ما هي نظرية داو؟

هي نظرية وضعها الصحفي تشارلز داو، وتُعتبر أساس التحليل الفني للأسواق المالية، وتركز على أن السوق يتحرك في اتجاهات يمكن تحليلها للتنبؤ بحركته المستقبلية.

هل تنطبق نظرية داو على جميع الأسواق المالية؟

تنطبق مبادئ نظرية داو العامة على معظم الأسواق، لكن بعض الجوانب مثل تأكيد حجم التداول تكون أكثر وضوحًا في الأسواق المركزية كالأسهم مقارنة بالأسواق غير المركزية مثل الفوركس.

ما هي أهمية تحديد مراحل الاتجاه في نظرية داو؟

يساعد تحديد مراحل التجميع والمشاركة والتصريف المتداولين على فهم ديناميكية السوق، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات الشراء والبيع في الأوقات المناسبة لجني الأرباح.